جماليات
قال الله تعالى: ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )) {الكهف:46} وفي التفسير قيل :لأن في المال جمالاً ونفعاً وفي البنين قوة ودفعاً، فصار زينة الحياة الدنيا،
جعل الله الجمال زينة تتوق إليها النفس الإنسانية، و دعوة ليستمتع بها الإنسان بهذه الدنيا في جميع ما حوله من مخلوقات وطبيعة . على ما فيها من أسرار في الكون وهي أكبر من أن تعد وتحصى ، سواء في الأرض بجبالها وسهولها وسواحلها، وفي أعماق البحار قال تعالى :((وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)) فاطر 35: 12 ، وكذلك في الفضاء الشاسع، يقول الحق تعالى (( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)) الصافات ٦وما لا نستطيع رؤيته بالعين المجردة من بديع خلقه و إحكامه.
وكل هذا وذاك لا يأتي مقدار ذرة مما وعد الله به الصالحين في جنات النعيم ، من جمال وخيرات ونعم مما "لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" .
وفُطِر الإنسان على استشعار الجمال والانجذاب إليه ولم يقتصر الجمال على المرئيات بل هناك جمال بالروح وجمال بالقول وجمال بالعمل، ينعكس على صاحبه فيمنحه مسحة من جمال فيزداد بهاء وينضح جوهره ضياء .
هذا و قد قامت علوم ومعارف ونظريات وفلسفات عن ماهية الجمال وتعريفه ، و محاولة إدراك عوالمه و أبعاده ما بين محسوس وملموس، وما بين وجداني او قائم مشاهد .
وتفرعت مجالات الفنون التي كان الجمال محورها ، أو كان شاهدا عليها أو دليلا إليها. حرفا وكلمة ولوحة وعملا فنيا يضع فيه صانعه جماليات نابعة من روحه وإبداعه .
وفي كل الحضارات السابقة والمعاصرة جسَّد الإنسان هذا الجمال عبر فنونه وآدابه فاشتهرت الحضارة الفرعونية كمثال عليها بجماليات ما رسمه فنانوها على جدران معابدهم وقصورهم، وما صنعته أيديهم من صناعات ومقتنيات لاتزال شاهدة عيان على تاريخهم وفنونهم، وكذلك فعلت الحضارات الفينيقية والرومانية والصينية، وحضارة بلاد مابين النهرين والفارسية والاندلسية مع اختلاف عناصرها وموضوعاتها وأدواتها ومفهومها، وصولا الى يومنا الحاضر .
فكان الجمال عنوانا لكل حضارة وشاهدا عليها.
وقد قيل: "أن عملية الجمال، تمتلك مفهومين للقيمة: الجماليات والذوق. الجماليات هي الفكرة الفلسفية للجمال. الذوق هو النتيجة للعملية التعليمية والوعي لنخب القيمة الثقافية من خلال التعرض للثقافة الشاملة".
وتختلف ذائقة الناس للجمال تبعا لمفاهيمهم و ثقافتهم ومدلولات الأشياء والرموز و المعتقدات .
وقد ذكر ايليا أبو ماضي مستحضرا فلسفة الحياة مختصرا إياها بقوله :
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
هو عبء على الحياة ثقيل
من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا
و الذي نفسه بغير جمال
لا يجد في الوجود شيئا جميلا
ومن هنا جاء إسم زاويتنا كل يوم اثنين بإذن الله "جماليات " كل أثنين من كل أسبوع بحول الله لينقل لحضراتكم قراءنا الأعزاء بعض من جمال بحرف جمال يطمح بأن يرقى لجمال ذائقتكم الجميلة .
نلقاكم بجمال
جمال بنت عبد الله السعدي
رئيسة رواق أديبات ومثقفات المدينة المنورة