بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الاربعاء, 01 يوليو 2020 10:42 صباحًا 0 646 0
بروباغندا :
بروباغندا :

بروباغندا :


الكاتب / ياسر الثقفي 


عندما كنت طالباً في الصف الرابع الإبتدائي، ذات ( فُسحة ) ألاعب أحد زملاء الدراسة وأحادثه بكل براءة وإخلاص، فإذا به يوجه لي سؤالاً مفاجئاً ويقول : من هو أكثر شخص تحبه ؟ ..
وبحكم حداثة السن ومشاعر الطفولة قلت : (أمي) فانطلق فرِحاً في فناء المدرسة ثم قفز عالياً رافعاً قبضته إلى السماء في مشهد (مارادوني) مثير، ثم عاد إليّ منتشياً والسعادة تغمره من كل جانب، فقلت له مستغرباً : (إشبك) .. ماذا دهاك ؟ مالذي أصابك ؟ لماذا كل هذا الحماس والفرح الهيستيري والإنفعال؟ قال وهو يضحك : أنت لا تحب الرسول !!
صلى الله على سيدنا محمد وآله، فزادت دهشتي دهشة .. وبدأت أتصفح ملامح وجه هذا الإنسان المدهش، الذي ما لبث أن انطلق إلى الجميع وهو يخبرهم أنني لا أحب الرسول. طريقة حواره كانت مستفزة وأسلوبه مقيت، وتكراره للكلمات وترديده لهذا الشعار البغيض يوحي بدنائته، وبحكم (اعترافي) على حد زعمه أصبح الطلاب يصدقونه.
هذه الصدمة العاطفية لازمتني زمناً طويلاً، وأنا أحلل وأفكر في (سلوك) هذا الطالب، وفي طريقة تعامله مع الأحداث ونقله الأخبار ونشر هكذا معلومات.
حتى قرأت مؤخراً عن مصطلح غريب اسمه (بروباغندا)، وهو مصطلح فلسفي من أصل لاتيني يعتمد على نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية المنظور، يفتقد إلى الموضوعية ويقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفياً عوضاً عن الرد بعقلانية.
البروباغندا لها أشكال مختلفة ولكنها تتمحور حول (الدعاية) والتحريض وترديد الشعارات الصوتية والظواهر الإعلامية، مثلاً عندما قامت الثورة الفرنسية كانت الصحافة ذات سلطة جبارة في التأثير على الناس، وقد استعملها أيضاً هتلر في الحرب العالمية، حيث أن (يوزف غوبلز) وزير الدعاية الذي كان معروفًا بمهاراته في التحدث أمام الجمهور يقوم بهذا الدور في رفع المعنويات ومحاربة اليهود والهجوم على الكنائس، وهو صاحب المقولة الشهيرة : اكذب اكذب حتى يصدقك الناس.
والحقيقة أن الحديث في هذا الجانب واسع ومهم في نفس الوقت لأن (الدعاية) ربما تختصر ما يقوم به العلماء وأساتذة الجامعات في التأثير وترسيخ بعض المفاهيم الخاطئة، فمثلاً أسلوب (النكتة) على المرأة السعودية بأنها كسولة أو غير رومانسية وأن اللبنانية والأمريكية مثقفة ورومانسية ولبسها أنيق وعطرها فواح، هذا الأسلوب يهدم الأسرة ويفرق الشمل وربما تتمخض عنه كثير من حالات الطلاق وضياع الأطفال، وللأسف فإننا نستعمل مثل هذه الأطروحات المقززة ونتناقلها رغم خطورتها وإن كان بأسلوب المزح أو السخرية، إلا أن وقعه في النفس أشد ألماً من وقع السيوف والرماح.
في وقت الاحتلال البريطاني لمصر، ذاق الإنجليز مرارة الخسارة والذل والهوان من (الصعايدة) الأبطال الأحرار الذين قتلوا المئات ووقفوا بكل شجاعة في وجه المستعمر المحتل، فما وجد الإعلام الغربي إلا أن يشوه صورة المواطن الصعيدي وإلصاق صفة الغباء به من خلال (النكات) أو القصص والحكايات والأفلام وغيرها، لرسم صورة نمطية سيئة عن أهل الصعيد ولترسيخ مفهوم الجهل والتخلف وكسر شوكتهم وإهانتهم.
 هذا الأسلوب من التعاطي والطرح لا يسمح بالحديث بكل موضوعية ولا النقد بأسلوب هادئ وتوضيحي، لأن الامور ستتضح بشكل جلي وبيّن، فأمريكا عند خسارتها في فيتنام أواخر الستينيات مباشرة أذاعت خبر الصعود لسطح القمر، حتى لا يتحدث الناس بتفاصيل ما حدث في فيتنام.
ومن ضمن أساليب البروباغندا وأشكالها في المجتمع السعودي ظاهرة ( العالمية صعبة قوية ) التي انتشرت في الوسط الرياضي انتشار النار في الهشيم، وهي نوع من أنواع الدعاية التي يرددها الجمهور لترسيخ مفهوم أن فريق النصر مثلاً أفضل من منافسه فريق الهلال، وبالتالي لا يمكن لمشجع هلالي أن يناقش نصراوياً بإنجازاته وبطولاته وأولوياته ونجومه وغير ذلك مهما كان يمتلك من معلومات ووثائق وتاريخ إذ أن الرد سيكون جاهزاً في كلمة واحدة.
وكذلك في الشعر والخطب قديماً وحديثاً، وأيضاً من خلال وسائل التواصل ستجد جميع أنواع وأشكال البروباغندا، فأغلب مشاهير (السوشيال ميديا) اشتهروا بسبب لزمات معينة أو كلمات يرددونها بأسلوب معين، ولعل أشهرهم في ذلك هو العم علي كرمان في مقولته الشهيرة (علمني لا تخليني لاني مقيد ولا مفكوك)، وغيرهم كثير.
حتى في الشركات العالمية فإنك تلاحظ هذه الأساليب الدعائية والمحفزة ذات التوجه الأحادي المقنن.
في الأخير لا تدع مثل هذه الامور تنطلي عليك، وإنما تعامل مع المواقف بحكمة ومنطق، لأنه بإمكان هذه الآلة الإعلامية أن تصيبك بالجمود الفكري.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المدير العام
عضو مجلس الادارة ، أديبة وكاتبة

شارك وارسل تعليق