بوابة صدى الحجاز الإلكترونية 

الثلاثاء, 04 أكتوبر 2022 00:57 مساءً 0 435 0
جردة حساب مع الحياة..
جردة حساب  مع الحياة..

جردة حساب  مع الحياة

 

في يوم ميلادي فتحت سجلاتي، أحاول الوقوف عند محطات عبرت بها ، و أسترجع أخرى توقفت فيها مطولا ، و غيرها يممت إليها ولم أصل .
شريط ذكريات يمر سريعا.
في هذا اليوم وقفة مع الذات وجردة حساب مع الحياة..
ماذا تغير فينا ؟!
وماذا غنمنا منها وما بقي لنا فيها ؟!
حين أقف على ناحية من سنوات عمري ، استذكر ما مر بي عبر السنين.
أرى تلك الطفلة التي كانت سابحة في بحور الخيال ،تطوف السهول، وتمرح في البساتين القريبة من بيتها  في بيروت ، حتى صدمتها الحياة بعقبات عدة ، إذ لم تكن الحياة وردية ولا مخملية في مجملها .
كانت أحلامها كبارا، و مدى طموحها أوسع من محيطها ، و ترى أمورا تنشدها كانت مرفوضة وباتت مفروضة .
كانت ترى الجمال في كل شيء حولها  وما تزال.
 تحلم بالتنقل بين البلاد و تحقق الحلم و إن كان قد جاء في بعضها متأخرا ، المهم أنه أتى في وقته المقدر له.
كانت ترى نفسها كاتبة إذ يسحرها الحرف وأهله ، وبراعة حبكته و فن صياغته ، و تبهرها بلاغته و سحر بيانه ، فامتشقت القلم ممسكة عنان الكلم، وخطت بيدها الكثير ، ومزقت الكثير ، وخطت مشوارها الذي تشعر بضآلته . ترى أن القلم لايزال بحر واسع لم ولن تبلغ مداه.
كانت ترى نفسها سيدة أعمال وخاضت مجالات فيه .
و ترى في نفسها ناشطة اجتماعية تخدم مجتمعها ، تناصر المرأة وتمكنها من موهبتها، و تدعم إمكانياتها ، ومواطنة تحمل هم وطنها ونهضته و تطوره وبناء المواطنة الصالحة التي تساهم في بناء الوطن .
وأهمها ترى نفسها أما لأبناء بررة يخدمون وطنهم وأمتهم بشرف .
كانت تتوق لتكون هي هي  كما تريد .
وتدخلت الكثير من العوامل والظروف تنازعها كيانها حتى استقرت كما هي على ما هي .!
مراحل عدة نقطعها في مسيرة حياتنا صعودا وهبوطا،
سكونا و اضطرابا ، حبا و بغضا ،حربا وسلما ، بعدا وقربا .
حين أرقب من نافذتي أطفال الجيران يحملون حقائبهم الثقيلة على ظهورهم ، ماضين باتجاه مدارسهم مشيا على أقدامهم ،أو متزاحمين على بوابات مدارسهم أتنهد بأسى وأقول:
كم من سنين لاتزال أمامهم؟! وكم من معارك سيخوضون في هذا الطريق حتى بلوغ المراد؟!
وإن حسبنا أنّا قد بلغنا المراد سيظل هناك خلف الأكمة ما خلفها  ، من أحلام مؤجلة ومعارك خاسرة ، و حسابات خاطئة .
سيظل هناك حلماً لم نحققه ، وأملاً لم نبلغه .
ولكن المؤسف أن البعض منا حين يبلغ من العمر عتيا،
يتوقف لديه الحلم والأمل ، و ينقطع الشغف ، ويمكث على كرسيه الهزاز في ركن غرفة شبه مظلمة، يرتقب النهاية التي قد تطول، فيذبل ويذوي في مكانه لا هو حي ولا هو ميت .
جردة حساب..
كم من وجوه وقلوب محبة لاقينا؟! وكم من صدمات من أناس تلقينا ؟!.
كم من ضحكات التمعت في مقلتينا ، وكم من دموع ذرفتها عينينا .
وكم من أفراح مشاعرنا بها تهللت؟!
  وكم من أحزان انفاسا لها تهدجت ؟!.
وكم من ولادات فيها القلوب استبشرت ؟!
وكم من وفيات لها الروح تألمت .؟!
و كم وكم وكم من محطات و من تنقلات وارتحالات
بانتظار الرحلة الأخيرة والمحطة الأخيرة ؟!
راقت لي مشاركة صباحية اليوم من صديقة تقول فيها:
"طالما نستطيع الحياة فلنحياها كما قدرت لنا دون انهزام للواقع ،ولا استسلام للظروف" .
(سلم أمرك لله وإبتسم و اطمئن واعمل ،
فإن أتاك شيء فهو حتماً لك ، وإن لم يأتك فتأكد أنه لا يُناسبك .
واعلم أن فوق سبع سماوات رب حكيم كريم ثق بالله دائمًا ).
نعم
نحمد الله على كل ما كان وما سيكون
نثق بخياراته و نرضى بامتحاناته و نمتن لمنحه .
حتما هو لنا خير ،وكل أمر المؤمن خير .
ألم يقل رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.

فلا تندمن على ما فات ،ولا تأس على ما هو غير آت .


الكاتبة / جمال بنت عبدالله السعدي
المدينة المنورة

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المدير العام
عضو مجلس الادارة ، أديبة وكاتبة

شارك وارسل تعليق